السباحة في بحيرة يابسة
صفحة 1 من اصل 1
السباحة في بحيرة يابسة
السباحة في بحيرة يابسة
عبد الله بن عبد الرحمن العيادة
يتفق البشر أن لكل إنسان غايته في الحياة، يسعى لتحقيقها، حسب ما يراه هو، وبالطريقة التي يراها صالحة، لتحقيق مآربه التي يصبو إليها.
وهذه المقاصد والمآرب تختلف حسب موقع الشخص نفسه، في نسيج المجتمع الذي يعيش فيه، وحسب نمطية تفكيره، المهم القاسم المشترك أن لكل إنسان غاية وهدفاً في هذه الحياة.
ولكن هل نملك الحق المشروع، أن نحقق في مدى صلاحية هذه الأفكار والأماني التي يتبناها البشر، وبعضهم يسوّق لها، مكتوبة أو مسموعة؟ وهل هي صالحة للاستخدام الآدمي..؟ وهل تستحق هذه الأفكار والأماني، أن يفني فيها المرء عمره المحدود في هذه الحياة؟ ومن هو الذي نحكم له أنه كسب الجولة، أو خسرها، بعد رحلة شاقة في هذه الحياة، وأن الجهد المبذول كان وبالاً وهباء؟
هذا حري بالبحث أيها السادة، لعلنا نلتقط الأنفاس، ونتريث قليلاً لنرى الطريق.
ولكن ما هو الميزان الذي نقيم عليه هذه الفلسفة، لنخرج بنتيجة صحيحة، لنحدد النتيجة..؟
على سبيل المثال: ذلك الجندي الذي قُتل في تلك الأدغال، في معركة لا يدري لماذا اشترك فيها أصلاً، وهو يحدث نفسه، أنه سوف يعود من هذه الرحلة ويتزوج، ويبني بيتاً صغيراً بعدما ينجب أطفالاً، تذهب حياته بطلقة لا يدري من أين مصدرها، ثم يلفه النسيان، ليواجه هو مصيراً آخر حيث ستفتح ملفات أخرى، فيما بعد، ثم يعود للمواجهة مرة أخرى، ليسأل نفسه هل هو على حق، أم كان يعيش زمناً محدداً لم يستفد منه، بل كان وبالاً عليه؟ أحسب أن الفكرة وصلت.
ولكن سأحاول أن أكون أكثر وضوحاً لجلي الغموض عن هذه الفكرة لعله أن يُستفاد منها ونقف ونعود أدراجنا، ونصحح ما دمنا في زمن الفرصة المتاحة لنا في هذه الحياة، وهذا هو التحدي، أن أكبح جماح النفس وأن ألبسها لباس البصيرة، وأخلع عنها ثوب الوهم الذي لفها زمناً، وأن أكسر تلك النظارة السوداء، التي أحالت منظر الحياة إلى اللون القاتم لتزييف الواقع المنظور الذي يحسه كثير من الناس.
زرت معرض الكتاب الدولي، الذي نظّمته وزارة الثقافة والإعلام في مدينة الرياض، خلال الفترة الماضية، ولفت نظري الكم الهائل من الكتب التي ألقت بها دور النشر إلى الساحة، وهي تحمل أسماء مؤلفين قد بلغوا من العمر عتياً، وبعضهم قد فارق الحياة، مرتهناً بما خطت أنامله، وهم لا يزالون يصرخون في واد مقفر، لا حياة فيه، إلاّ رجع الصدى لما يقولون هم لأنفسهم، وحاولت أن أتأمل القيم التي استفادت منها الأمة، والمجتمع فعاد بي الطرف حسيراً؛ فحال الأمة لا يزال يهوي ممعناً في السقوط والتردي، والحالة النفسية الانهزامية بأوج اشتعالها، نتج عنه حالة إحباط لم يمر على الأمة مثلها والله المستعان، وهؤلاء ما زالوا يسبحون في هذه البحيرة التي جف ماؤها، منذ زمن بعيد، حينما تعرت تلك القيم والشعارات التي كانوا يرفعونها وينادون بها؛ إذ لم تكسب الأمة شيئاً يُذكر، إلاّ الوهم والوعود السردابية، التي ذابت كما يذوب الجليد في يوم صائف.
إذاً لماذا يصرّ بعض منا، على أن يسلك هذا الطريق؟
مع يقينه أنه في النهاية سيصل إلى النتيجة صفر، إذا ما لقي وجه ربه، والدليل أنك ترى بعضاً منا إذا رحل أحد هؤلاء يبحث له عن شيء خفي، يقربه إلى الله ليبرز هنا يقيننا أن هذا هو الشيء الذي يجب أن يلاقي فيه العبد ربه بعد رحيله، وأن ما كان يؤديه ويعمله بخط قلم أو قول لسان، لا يساوي شيئاً.
إذا أنت في زمن المهلة الآن، لماذا لا تقف مع نفسك قليلاً وتراجع ملفاتك وتعيد صياغتها، وتستثمر هذه الموهبة العقلية التي جعلتك في مصافّ المفكرين الذي يُشار إلى عقولهم بالبنان، وتصرف نتاجها بشيء يسرك أن تراه أمامك، بعد رحيلك، ويضيء الطريق للحيارى السالكين الذين أنهكهم التيه والترحال في دروب الحياة، وراحوا يسبحون في بحيرات يابسة لا قيمة فيها، ولا بصيص أمل، يرفع من شأن هذه الأمة. متى يكون ذلك؟
المصدر: موفع الإسلام اليوم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى